الإنسان أصله شجرة
تضورت المعده ،التفت حول نفسها تكاد تاكل طياتها ..جذبنى عواؤها إلى داخل "الكافتريا"طوانى المقعد..انثنيت للخلف متوسدا ذراعى ،متأملا من حولى ،اتلهى بهم فى انتظار الطعام ،انتصبت عيناى ،وقعت فوق عينيه المجوفتين بعمق لجة الليل ،يتأملنى ،يتفرسنى ،يغؤص فى أعماقى ،يجمع الحروف بداخلى ،يقذف بها من بين شفتى.
"جائع مثلى ..لعله كذلك"
يرتب الأفكار المبعثره،يبعثها من بين خلايا عقلى.
"متعب بلا عمل..ضائع كضياع الغد".
يعاود البحث ،ينبش،يحفر،ينثر،ما بقى بداخلى ،أصبحت فارغا خاويا ..ضحك:
-تتمنى حسناء تأويك فى فراشها،تنبت لك حبات العيون والقلوب..أنهكنى البحث فيك،كلانا وحيد ينتظر..باغتنى بسؤال:
-هل أعطيت كل ما عندك ولم يبق شىء ؟
من أدراه أننى وهبت آخر الأمنيات التى أحملها فى جرابى منذ ولدت..أجمعها حتى جاء يوم،ناوشتنى رغبات العطاء دغدغت رجولتى ،شهامتى، فوهبت..حتى أضحيت كجرابى.. خرقة..مجردأسمال تعدو فوق الأرض الصلبة..فتلفظنى.
"همس بأسى".
- كن نخلة،تبسم للحجارة،تسامح وتهب فى كبرياء .
أنصت لصوته الأجوف يرن عند عتبات أذنى باغتُّه :
- منطق الضعفاء ..كيف أسامح والأرض رحم مأجور لا ترغب فينا ؟ جف الضرع، نقتات بما بقى من دمها..تجف،تتشقق كلحاء الشجر .
اعتصرت جملتى عظام وجهه ،طال أنفه،غار فمه،رنا إلى المدى ليطويه،عاد بعمق سنوات الألم يردد:
- يا صديقى ..الأرض عطشى..والماء آسن..وأنت وأندادك لبستم ثوب "الهالوك" أقمتم الأحلام فوق الأوهام .
جمدت نظرته إلى أعلى، شرخ صوته صدرى بأنينه المكتوم ، هرولت فى مساحة الشبرين التى بيننا،لامست منكبيه العريضين هززته ..تساقط لحاؤه خشنا..طرقعت الضحكة من خلفى..نظرت لتلك اللاهية، عالجتنى بسهم نارى:
- إنه شجرة ، بقاياجزع شجرة منحوته، ظننتك فناناً تشكيلياً من نظرتك له - وضعت الصينية- أتأمر بشء آخر؟
إخترق صمتى بهجة عينيها..ألقيت بقروشى لها، تاركا الطعام باردا برودة أطرافى، نزفت حروفى سؤلا:
- كيف يأمر بقايا إنسان؟ صحبت بعض أجزائى، منصرفا، ولم أسحب بعضها الآخر.
نشرت بجريدة المساء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق