الفقد !!
أحلام مثلجة
أتلمس وجه القمر ، يداعبنى وخز خفيف كطعم الخوف، كلما أقتربت..
ابتعد ، فارا من لحظة العناق ؛ التى حلمنا بها .
أشب على أطراف الحلم ، علِّّى أصل لما يحجب بسمته عنى ، أزيح
تلك السحب الشاحبة ، تعلو بسمته وجهى ، تهزنى يداه وهو يجذبنى ،
يضمنى إلى صدره . أفيق ، أجده ممددا بجوارى :
- لقد عاد !!
أنثنيت كعود الياسمين المشتاق لقطرات من رضاب الحياة ، تعرف شفاهى طريقها إلى جبهته ، يتشوق صدرى لنبض قلبه ، انغرست رأسى فى الوسادة ، لم يكن نائما بجوارى . مازالت وسادته تحمل عطر أنفاسه ، ألملمها ، أستنشقها ، تختلط بانفاسى اللاهثة ، عدت على دقات قلبى أراقص النجوم فى حلمى الهائم .. ألا يحملنى هذا السحاب إليه ؛ لألقى عليه سؤالى حاد النصال و الذى مزق لحظاتى :
- أنحتمل الآم الغربة ؟
أمازالت قلوبنا تحتمل هذا الهز العنيف الذى يشبه أزيز الطائر المعدنى المحلق فوق نيلنا الأسمر ، يرحل بالأحباب بعيدا خلف التأشيرات و الحدود ، هاربا من وطن غاضب إلى وطن بالتبنى
إقتحمت صديقتى الوحيدة يوما خلوتى .. سألتنى :
- بماذا تشعرين بعد سفر زوجك ؟
- كمن وضعوا أفكارها ومشاعرها فى خلاط .. فما عدت أميز من سرعة الخفقات.
ضحكت عاليا و قالت :
- أحدثك بجد.. وتهزلين .
اجتاحتنى الرغبة فى البكاء .. فلزمت الصمت .. ثم جاء صوتى من بعيد :
- أشعر منذ سفره أننى ألقيت فى جب بعيد لاتمر به السيارة ، لاأجد من يمد لى حبل الانقاذ .
جمدت نصف ضحكتها :
- راوديه عن نفسه ليعود .
إقترب صوتى إلتصق بشفاهى :
- كفانا مراوده .. راودوه عن أحلامه .. آماله بعرى فاضح .. لأفكار عقيمة لا تستحى الجهل و التخلف .
- إذا هو هروب ؟
- نعم .
- إلى متى ؟
- قد تنتهى الغربة غدا ، أو بعد ام ، أو يضيع العمر كله مطاردون من الذئاب .
- وهل نحن خراف ؟!!
- إذاكنا لانقول : لا .. فنحن كذلك ؛ الخراف تقول ماااء وتلك فلسفتها .
- وهل للخراف فلسفة ؟!
- ماااء .. ماااء قد تعنى أنها تحيا لتطعم و تذبح وتهبهم اللحم و الصوف و.....
- كفاك .. هل ستعددين فوائد الخراف ؟
- يا صديقتى إنها فلسفة اليوم الواحد ، فغدا يكون ذبيحا و لهذا هى كائنات صالحة لأغراضهم ، وغدا ستجدين على ظهر كل هؤلاء .. فراء من الصوف أو الحرير .
- أهناك فروة خروف من الحرير ؟! إنك "خرفة" .
- حتى كلمة "خرفة" قد تكون مشتقة من الخراف .
- أكل هذا يفعله بك سفر زوجك ؟
- إننا مسافرون فى كل لحظة تنسحب فيها حبات التراب من تحت اقدامنا لأنها ملك خاص لهم .
- هم .. هم ..من يكون هؤلاء ؟
- من زرعوا الغربة فى عصب حياتى ، فنبتت شقاء و تعاسة ، وانتظار .
- ليتنى ما سألتك عن شىء .. أنت بركان ، أطلقت حممك ؛ تصهر نقطة الأمل الوحيدة .
- كيف ؟!!
- إنك برغم غضبك قوية ، لكننى خائفة من لاشىء .فىغياب زوجى .. ترعبنى نظرات زميلى أو جارى ..أتمنى لو أغلق عيونى التى قد تقفز منها أى رغبة فى معرفة دواخلى إننى لا أنام ليلا ؛ فى كل لحظة أقوم لأتأكد من غلق الباب و النوافذ .
- لكن زوجك غير مسافر !!
صمتها لف حوارنا ، خضبه بالحيرة مثلما يحدث كلما جمع بيننا حديث الغربة وينتهى ببضع نقاط لدموع بدون هوية .
إنسحبت من ذكرياتى ، عدت أجمع القلق فى راحتىّ، أسد به ثغرات غيابك ، التقط كل الأعذار الصدئة من فوق جدار الذكريات ، أمنى نفسى بلحظة عودتك إلى مكانك فمازلت استخرجك من داخلى لتضىء ليلى .
أغسطس ٢۰۰۳
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق