القادمون يسرقون الشمس

          تشكيل ...
 
 
 
القادمون يسرقون الشمس

وهو ينحت تماثيل بلون الثلج، طيور كثيرة باردة تحط على الاحياء البعيدة. هوى بإزميله على جبل الصمت .. تلفت يمينا وشمالا، يدور فاردا ذراعيه، مغمضا عينيه، توقف فجأة .. نهنهات قلبه موسيقى الخوف .. ضم طواطمه بعينيه .. فرك عيونها بصنفرته .. زفر كرياح غضبى:
ألم تروا ؟ أنظروا لقد أشرقت الشمس .. مازالت هنا تستيقظ فى بلادنا … ضم ذراعيه إلى صدره .. يهمس لها :
 تلك النار التى تشعلها أقاويلهم تأكل كل شئ .. لكن نارك نور يهبنا الحياة .
أكثر همسا : أقاويل من ؟  هؤلاء – مشيرا – للطيور والبيوت التى خلفها. صارخا يحاصر صوته النيام:
انظروا .. إنها تأتى بالفجر من أرحام أيامنا .. نحن موطنها الأصلى .. نعيد الروح لها .. هيا استيقظوا.
يهز تماثيله، نقراته مضطربة يوزعها على الأبواب، سباب يقذف فى وجهه .. ركلات .. بصقات .. فر منهم هاربا .. إعتلى سور شرفته :
إنهم قادمون .. أفيقوا.‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍
تحلق حوله الغاضبون .. أوسعوه ضربا، يبكى، يشيح بيديه، كمن يطرد ذبابا تكاثر فوقه، انصرفوا، تكوم مسلما عينيه لإغمائة. اقترب منه الاطفال وهم يفركون أعينهم .. أيديهم تهزه، يقفز ليزود عن نفسه .. لا يعتدون علية .. تتساءل علامات التعجب المنحوتة فوق أجفانهم المثقلة بالنعاس :
كل يوم ياعم توقظنا مع الشروق .. لماذا .. ألا تنام ‍؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍
نزع الهم .. عاوده الاطمئنان .. أجلسهم حوله تحسس أكفهم الصغيرة .. ونظر لأعلى :
انظروا إن الشمس ترنو إليكم .. إنها خائفة.
أشار للطيور الباردة الساكنة المتربصة .. انتفض واقفا .. هيا أشيروا إليها هكذا .. رفع إصبعيه بعلامة النصر، جذبه طفل من يده :
هل كنت ضابطا ياعم ؟            .. باغته الصمت ..
 ما حكاية الشمس ياعم ؟ كلنا نعرف أنها تشرق من الشرق ‍‍‍‍‍‍‍‌‍‍‍‍11
صارخا :
نحن الشرق .. هنا الشرق .. انزوى فى صمته ثانية وهو ينصت لحيرتهم :
 أبى يقول أنك فنان تشكيلى.
 لا .. أبى يقول أنه لابد كان ضابطا.
أبى يؤكد أنه مدرس أو سياسى .. ذهب عقله.
أجهش ببكاء مر :
آباؤكم يعرفون كل شئ .. يؤكدون على كل شئ .. حتى عن هؤلاء – يشير للطيور – مترنحا كأنه لايليق بنا النور، على القادمين أن ينقذوك منا أيتها الشمس ويحرروك .. يغرقوننا فى الغروب .. نحن يا أبناء الشمس .. نبيع، وهم قادمون يشترون .. لا بل يغتصبون.
تحرك بعض الرجال نحوه ثانية يريدون قذفه خارج الحى .. تحلق الأطفال حوله، يدفعون عنه الكبار . الآباء يصيحون فى الابناء  أن يبتعدوا .. نظرة الأطفال تبرق .. تعانق أشعة الشمس .. وهو يبكى .. يضحك .. يبكى .. يضحك .. ويضحك .. ويضحك .. أصابعه تشير لأعلى .. يهمس لهم :
انظروا الشمس ترسل مركبا إليكم.
يضم ذراعيه .. يغلق جفونه .. يرتكن إلى الحائط وهو يضحك ودموعه تغزو وجهه الأسمر.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق