موسم رحيل العرائس

موسم رحيل العرائس

صرخته مزقت صمت الفضاء ،يرجع صوت الألم ، يوزعه على كل الآذان..لما ذ ذ ا ا ؟
يرتد إليه الصدى حزينا بلون دخان القنابل ،مخضبا بالحقد الأسود ،عاد يجمع صرخاته من فوق الألسنة:لماذا لم تبق معى ؟؟
مسدت الأم الصابرة على شعره :
-        إبك يا ولدى "عروسة حلوة مغربين بيها ، الشعر ناعم والبياض فيها".
انتفض صدره يهبط جبال الذكرى ويعلوها ،يتذكرها يوم حلقت شعرها ..ضفرته ..قبرته تحت التراب،و أرسلت نظرتها لعينيه ترد سؤلا أبكم:
-        إن تحررنا سينبت ويطول مع شجر الزيتون أو يلحق جسدى به لعلى أنام ،تعبت من أشباح هذه الذئاب المحمومه وهى تتلهى بخلايا أرواحنا ،من لملمة أشلاء صرعى لعجوز يصرخ و صغير يبكى .
 تتكور تضم ركبتيها ..ترفع وجهها ،يمد يديه يجمع بلورات الندى من عينيها، أهداها للزهور الساجدة فوق وجنتيها ،وشفتين ضمهما الصمت ،همس ما بين خواطرها و أذنها:
_ حبيبتى أنت قطرة ندى ..ترفقى بنفسك ماذا تفعل قطرة الماء فى حجر صلد نجس ؟!
سكون الكون يثور نجوما متوهجة فى عينيها..صاحت:
    -قطرة ماء تشق الحجر .
قبض على الرمال نثرها جمرات من سجيل ،جاءه صوت الأم المتقطع :
-        "إزاى نوم اللحد يا قمره..اللحد حامى خلى البياض غبره".
-        سحقته الكلمات..أيقظته من غفوته ..تكوم بحضن الصبار منتحبا .
-        لم تبح لى يا خاله ،لم تخبرنى أنها من ستفجر ضيق الصدر،وتنثر بعض دماء الطهر لتحرق وجوههم ..ليتنى ضممت بريق عينيها حين رمت نظرتها ناحية حقول القمح المحترقه ،وقامت ترقص فوق علمهم الأبيض المرسوم عليه بلون الموت.ليتنى جمعت نغمات صوتها وهى تغنى أبياتى المحفورة بجدار قلبها :
-         أنزع الشمس المقتولة من حضن الليل…تخضر الأرض ..و تزهر .
تحسس شفتيه يسترجع طراوة القبلة المبللة بدمعتها ،نسمات الجنة خلف أذنيه وهى تهمس :
 -هل سترحل ؟؟
بلون الخجل داعب الرمال تحت قدميها ..حلقت بعينيها بعيدا ،تجدل وهج الشمس وبراءة القمر ،تنثرهما فوق ثغرها ،ثملة بالحب ، نشوى بما دغدغ مسامعها فى لحظات بوح رخو هامس ،امتدت يده،انسحبت كنسمة الصباح الهاربة من قيظ اللحظة ،على استحياء كأنها فكرة ، التفتت إليه :
-غريبا تعود ؟! لا تملك إلا كلمات ،أبيات فى أشعارك بينما تنهدم البيوت وتجف أضرع الأنهار .
حاول أن يستبقيها ..فرت من بين عينيه..ضم الهواء :
 -أنت وطنى ..وأحلى قصائدى, فالنرحل معا ..ننجب .
 -لن تنجب أطفالا فى أيديها الحلوى ..هل تبق حتى الغد ؟
شق نحيبه رهبة اللحد:
 -انتفضى ..قومى ..تدبرين وترحلين خلف ضفيرتك ..لماذا أبعدتنى؟! هل صرت بعينيك كيانا هشا ؟ لماذا ..لماذا أحببتنى ؟!
امتدت يداه تحفر تحت الشاهد ..احتبس الصوت خلف قضبان الجرح ،عيناه ترسمان حروف اسمها (….) تزرعه لينبت ألف حرف :
 -وفاء ..أعرف أنك لست هنا , مازلت عالقة قطرات فوق بياداتهم ..مدافعهم ..أسلاكهم .
ألقت الأم رأسها فوق كتفيه :
  -أحبت الحياة يا ولدى ..ماتت لأنها أحبت الحياة .
أرتكن بجوار القبر ..تحفر دمعاته مجرى فوق الشاهد ..أنفلق ..ترنحت النظرات غربا..شرقا...حمل فتات الحجر ..نظر لكفه ينضح منها لون المر باغته النداء :
 - خذ بثأرى .
أنتفض يبحث عن الصوت .
 -خذ بثأرى .
الدماء تسيل من تحت قدميه تروى ظمأ الأرض العطشى ..الرمل الأصفر يتحول للقرمزى ..يعانق الصبار ..يتذوق مرارته بطعم الحياة .
                                                                                        يناير۲۰۰۲
                                                                                           القصة مهداة إلي شهيدات فلسطين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق